لارا حميدي
باحثة في إمباكت الدولية
مع وصول عدد الحالات المؤكد إصابتها بفايروس كورونا المستجد (COVID-19) إلى نحو 142,539 في 156 دولة، بات الثمن الذي يتوجب على الأفراد دفعه فيما يتعلق بتفاعلهم مع ذوي العرقيات المختلفة باهظًا؛ الأمر الذي ترتب عنه تفاقم العنصرية وانتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالأعمال التجارية على وجه التحديد بشكلٍ كبير. اليوم، يفسح فايروس كورونا المجال للعنصرية والتنميط العرقي وكره الأجانب، وهو ما يعتبر مؤذيًا بقدر الفايروس نفسه.
اليوم، يفسح فايروس كورونا المجال للعنصرية والتنميط العرقي وكره الأجانب، وهو ما يعتبر مؤذيًا بقدر الفايروس نفسه.
ورغم أن فايروس كورونا خلق بالفعل حواجز اجتماعية بين الأفراد بشكلٍ عام، فإن أكثر من يتأثر به اليوم هم الفئات الهشة من ذوي الدخل المنخفض وكبار السن الذين يعيشون بمفردهم، وأولئك الذين تعرضوا لأمراض، أو الذين يعيشون في مناطق مهمشة تفتقر للرعاية الصحية. يستدعي ذلك في جميع الأحوال إيلاء اهتمام مضاعف لهذه الفئات وتسهيل وصولها للمساعدة. لكن حتى تاريخنا هذا، لم تُؤخذ تلك الفئات بعين الاعتبار من قِبل الحكومات المسؤولة عن ضمان سلامتها.
ومع تزايد حالة الهلع حول العالم بسبب كورونا، تضاعفت درجات الحذر والحماية الشخصية، لكن ذلك أيضًا فاقم منسوب العدائية والعنصرية، خاصة لدى الأشخاص الذين يتمتعون بامتيازات ووضع مادي جيد يسهل حصولهم على الرعاية الصحية والمستلزمات الأساسية. حالة الهلع التي سببها كورونا لم تجعل مجالًا للأشخاص للتفكير بعقلانية أو إيلاء أي اعتبار للآخرين، ظهر ذلك بشكل واضح في المحال التجارية الكبرى حول العالم، والتي أصبحت فارغة بعد أن سحب أصحاب الدخل المرتفع المنتجات من الأسواق ونفذوا عمليات شراء بالجملة. ورغم أن "الشراء بالجملة" فعلًا يهدف إلى النجاة، إلا أن ما يفعله المواطنون اليوم يكشف عن أنانية مفرطة تجاه أولئك ممن لا يملكون المال الكافي لفعل ذلك. يترتب عن ذلك بالطبع وضع الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالفايروس سواء طبيًا أو اقتصاديًا على آخر سلم الأولويات.
أما أولئك ممن يحتاجون للعمل بشكلٍ يوميٍ لتوفير دخلٍ بالكاد يبقيهم على قيد الحياة، فسيكونون الأكثر تضررًا بـ فيروس كورونا، نتيجةً لعدم التزامهم بالحجر الصحي ونزولهم للعمل رغم المخاطر المحدقة التي تتهدد صحتهم وصحة من حولهم. وعليه، على الحكومات أن تدرك أنه ما لم يتم توفير الرعاية الكافية للفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفايروس، لن يتم احتواؤه بأي شكل؛ لأنهم سيستمرون في الذهاب إلى أعمالهم ولن يعزلوا أنفسهم، في الوقت الذي يبقون فيه بأمس الحاجة للمال للبقاء على قيد الحياة. وبينما يتوجب على الجميع عزل أنفسهم، سيستمر الفقراء بعملهم. في هذه المرحلة، أصبح العزل الشخصي والرعاية امتيازًا في وقتٍ يُمكن فيه حصرًا للفئات المستقرة اقتصاديًا تحمل أعباء البقاء في المنزل والاهتمام بعوائلهم، وهو ما لا تستطيع الفئات الهشة والضعيفة ماديًا فعله. وفي جميع الأحوال، لا ينبغي للحال أن يكون على ما هو عليه الآن، ففي الوضع الراهن وفي ظل أزمة كورونا، يجب أن يشعر كافة الأشخاص حول العالم بغض النظر عن دخلهم أنهم قادرون على حماية أنفسهم بقدر المستطاع.
من جانب آخر، تشكل بعض أشكال قيود السفر التي فرضتها كثير من الدول انتهاكًا مباشرًا لحق الأفراد في حرية الحركة، فقد أدت إلى منع الإمدادات المستوردة من الدخول إلى المناطق المتأثرة بالفايروس، مسببةً قصورًا في قدرة الصحة العامة على مواجهة الفايروس نظرًا لنقص الإمدادات الطبية.
وفي الوقت ذاته، تعزل الدول نفسها عن العالم، ويتخلل ذلك أحيانًا خطابات كراهية يتأثر بها المواطنون بشكلٍ واضح. ويعد الطالب السنغافوري البالغ من العمر 23 عامًا في لندن مثالًا ضمن العديد ممن يتعرضون للعنصرية المفرطة الناجمة عن انتشار الفايروس الجديد. ففي الرابع والعشرين من فبراير الماضي، تم الاعتداء عليه ومهاجمته بدافع العنصرية من قبل مجموعة مؤلفة من خمسة أشخاص كانوا يشيرون إليه باسم "فايروس كورونا." الهجوم أسفر عن جروح خطيرة وكسور في وجهه، لكن الأخطر بالفعل هو دلالات هذا الحادث. هذه الحالة تكشف أن حقوق الإنسان في خطر مستمر منذ بداية انتشار الفايروس، وتبقى الأقليات الأكثر عرضة للانتهاك والاستهداف بسبب لونهم أو عرقهم. ولا شك أن الحالات العنصرية المتعلقة بفايروس كورونا الجديد مقلقةٌ للغاية، ففي الوقت الذي يجب فيه على العالم أن يتحد لمجابهة هذا الفايروس، يتفشى الرعب بين الناس مما يجعلهم ينقلبون على الفئات الأكثر عرضة للإصابة به.
بطبيعة الحال، يجب ألا يكون هنالك أي مجال لمثل أفعال الكره هذه، فعلى الحكومات إدانة مثل هذه الأفعال لمحاربة القضايا الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان وفايروس كورونا المستجد. ما لا يدركه الكثيرون هو انتهاكات حقوق الإنسان التي بدأت تتفشى بشكلٍ مخيف، في الوقت الذي يركزن فيه فقط على القضايا الصحية، ويتجاهلون تمامًا الأشخاص الذين يتعرضون للاضطهاد في الأماكن العامة أو في أماكن عملهم، أو أولئك الذين يبقون دون رعاية صحية مناسبة بسبب وضعهم المادي.
أدناه بعض الاقتراحات لتحسين حالة حقوق الإنسان في الدول المتأثرة بفايروس كورونا المستجد:
- على الحكومات حول العالم وضع قضايا حقوق الإنسان في مقدمة معركتها ضد فايروس كورونا المستجد.
- تبادل المعلومات بخصوص الممارسات التي يجب اتباعها لمواجهة الفايروس بشكلٍ فاعل هي الأهم في الوقت الراهن، بحيث تشعر كافة الدول بالدعم وتتشارك في معالجة القضايا.
- على الحكومات التخطيط بخصوص أي وضع وعواقب غير مقصودة قد تحدث، بما في ذلك الأعمال التجارية والمؤسسات الربحية التي يجب عليها أن تتبنى قوانينًا أكثر مرونة فيما يخص موظفيها.
- في هذه اللحظة أكثر من أي وقت مضى، ينبغي أن يزداد الدعم والتعاون الدولي خاصة لأكثر الفئات هشاشة. ومع الصدمة العالمية التي أحدثها فايروس كورونا، فقد اختُبر بالتأكيد مدى تعلم وتأقلم مجتمعاتنا وحكوماتنا ومستشفياتنا ومواطنينا، وعليه هناك حاجة ماسة إلى زيادة الوعي والتقبل بين المجتمعات.
- من أجل مكافحة التفشي الوحشي للفايروس بشكلٍ فاعل، يجب أن تضمن الحكومات أن يكون هناك تأمين لحصول جميع المواطنين على الرعاية الصحية. ويجب أن تضمن الرعاية الصحية المقدمة حصول جميع المواطنين على العلاج بغض النظر عن وضعهم المادي.
- الحكومات التي تأثرت بالفايروس هي الأكثر حاجة للتصدي لحوادث كراهية الأجانب والعنصرية، من خلال اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان عدم انتشار المعلومات الخاطئة، وضمان إعطاء جميع المواطنين المعلومات ذات الصلة التي يحتاجونها لفهم الوضع.
- يجب دائمًا تنفيذ عمليات الإغلاق والحجر الصحي وغيرها من التدابير المتبعة لاحتواء الفايروس بحيث تتوافق مع معايير حقوق الإنسان.
- ينبغي تنفيذ جميع التدابير الصحية مع مراعاة الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وحرية المواطنين، فلا تتخذ المنظمات الصحية قرارات بالاستناد إلى افتراضات عنصرية.
هذا المقال مترجم من اللغة الإنجليزية. النسخة الأصلية: هنا