لندن - كشفت إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان، عن أوجه قصور وتمييز صريح في واقع التغطية الصحية الشاملة المقدمة للعمال الوافدين في دول الخليج العربي لاسيما في ظل ما يعانوه من قيود وقوانين تعسفية على عدة صعد.
وقالت مؤسسة الفكر ومقرها لندن في تقرير موسع أصدرته بعنوان التغطية الصحية الشاملة في دول مجلس التعاون الخليجي: حلم أم كابوس؟، إنه غالبًا ما يتم منح خطط التأمين الصحي في دول مجلس التعاون الخليجي من قبل أرباب العمل، والتي يُزعم أنها متاحة للجميع.
وأوضحت أنه مع ذلك، لا تزال التشريعات الخاصة بتزويد الجميع بخطط تأمين تكميلية غير مستوفاة حتى اليوم، متناولة بهذا الصدد أشكال الرعاية الصحية المقدمة في كل دولة خليجية كل على حدا.
يعد نظام الكفالة نظامًا تعسفيًا وشكلًا من أشكال العبودية الحديثة في ظل عدم توفير حماية للعمال من الإساءة أو الإتجار أو عدم دفع الأجور
وأكدت إمباكت أن نظام الكفالة السائد في دول الخليج يقلل من قدرة العمال المهاجرين في الحصول على خدمات الرعاية الصحية إما بشكل مباشر لعدم وجود خطط تأمين إلزامية ضمن نظام الكفالة، أو بشكل غير مباشر من خلال الأجور المنخفضة للغاية وظروف العمل السيئة وغياب الإجازات المرضية وعدة عوائق أخرى.
وأبرزت أن ذلك يمنع العمال المهاجرين من الحصول على الرعاية الصحية بسبب ضيق الوقت وعجزهم عن دفع تكاليف الخدمات التي غالبًا ما تكون غير مؤمّنة.
ويشترط نظام الكفالة من العمال المهاجرين اجتياز فحص طبي قبل دخول البلاد لفحص وجود أي مرض معدي وتجنب انتقاله إلى السكان المضيفين، بالإضافة إلى فحوصات الحمل والأمراض النفسية. وتجري هذه الاختبارات لبعض الجنسيات والوظائف فقط التي تخضع بشكلٍ أساسي لنظام الكفالة.
ولا توجد بيانات موثوقة حول أعداد وفيات العمال المهاجرين في دول الخليج. إلا أن دراسة حديثة أجرتها مجموعة "فايرل ساين" التي تضم منظمات حقوقية من دول أسيوية، أن "ما يصل إلى 10 آلاف عامل مهاجر من جنوب وجنوب شرق آسيا يموتون في الخليج كل عام".
وخلصت إمباكت إلى وجود فجوات كبيرة ضمان الحصول على الرعاية الصحية للفئات الأكثر ضعفًا في دول مجلس التعاون الخليجي على الرغم من الجهود الحكومية المبذولة لتحقيق التغطية الصحية الشاملة.
ونبهت إلى أنه في وقت لا يمكن تحقيق التغطية الصحية الشاملة في حال استمرار نظام الكفالة، فإن على دول مجلس التعاون الخليجي أن توفر للعمال المهاجرين ظروف معيشة وعمل إنسانية وخطة تأمين صحي أساسية على الأقل.
وحثت إمباكت منظمات حقوق الإنسان وجماعات المناصرة زيادة الضغط لحماية العمال المهاجرين في دول مجلس التعاون الخليجي وفي جميع أنحاء العالم من أجل حصولهم على حقهم الإنساني في عيش حياة صحية وكريمة.
النص الكامل للتقرير..
التغطية الصحية الشاملة في دول مجلس التعاون الخليجي: حلم أم كابوس؟
تعد التغطية الصحية الشاملة والتي تبنتها منظمة الصحة العالمية هدفًا رئيسيًا لجميع الدول في أنحاء العالم وتعني أن جميع الأفراد قادرون على تلقي الرعاية الصحية اللازمة دون أي مشقة مالية.
وقد بذلت دول مجلس التعاون الخليجي الست وهي المملكة العربية السعودية وعمان والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر جهودًا لتحقيق التغطية الصحية الشاملة لجميع مواطنيها والمقيمين فيها، حيث يشهد القطاع الصحي في هذه الدول فترة من التوسع والتحول في تلبية الرعاية الصحية على إثر الطلب المتزايد لخدمات الصحة وارتفاع عدد السكان.
في ديسمبر 2021، استضاف معرض اكسبو دبي 2020 احتفالًا بيوم التغطية الصحية الشاملة نظمته منظمة الصحة العالمية تحت شعار "لا تغفل عن صحة أحد: استثمر في أنظمة صحية للجميع"
تشتهر دول مجلس التعاون الخليجي عالميًا بكونها دولًا مضيفةً لنسبة كبيرة من المهاجرين (أكثر من 10٪ من جميع المهاجرين على مستوى العالم) إذ تستضيف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ثالث وخامس أكبر مجموعتين من المهاجرين في العالم.
ويشكل الرعايا الأجانب غالبية السكان في دول مجلس التعاون الخليجي، بمتوسط 70٪ (تتراوح من 56٪ إلى 93٪ في كل بلد على حدة).
وتبقى التساؤلات بشأن أي مدى يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تحقيق التغطية الصحية الشاملة؟ وما هي العوامل التي تؤثر على تحقيقها لتشمل جميع سكان المنطقة؟
ظروف المعيشة في ظل نظام الكفالة
نظام الكفالة هو نظام يتم بموجبه ربط تأشيرة العامل المهاجر ووضعه القانوني في البلد المضيف بكفيل. وعند وصول العامل إلى أحد دول مجلس التعاون الخليجي، يكون الكفيل مسؤولًا عنه بشكل كامل بما يشمل تنقله وتأمينه وإقامته واختباراته الطبية وعلاجه، ما يجعل العامل يعتمد اعتمادًا كليًا على الكفيل فلا يمكنه الانتقال إلى وظيفة أخرى أو مغادرة البلاد دون موافقته/ها.
ويعد هذا النظام تعسفيًا وشكلًا من أشكال العبودية الحديثة في ظل عدم توفير حماية للعمال من الإساءة أو الإتجار أو عدم دفع الأجور. وتواجه المهاجرات ذوات الدخل المنخفض على وجه الخصوص المزيد من الانتهاكات حيث تعمل غالبيتهن كعاملات منازل منعزلاتٍ في بيت الكفيل وبدون أي تقديرٍ لعملهن.
وبالنظر إلى ظروف نظام الكفالة، فإن الأوضاع المعيشية للعمال المهاجرين مزرية في جميع دول مجلس التعاون الخليجي إذ تعاني عاملات المنازل من تدني الأجور وساعات العامل الطويلة فضلًا عن الانتهاكات الجسدية واللفظية والجنسية والنفسية.
ولا يغطي قانون العمل العمال المهاجرين إذ أنهم يعتبرون في الغالب أفرادًا من العائلة وبالتالي لا يستطيعون ممارسة حرياتهم أو تقديم شكوى من خلال الأنظمة القانونية للدولة أو أنظمة الحماية.
ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي لا تمتلك سياساتٍ للحد الأدنى للأجور، بينما تضع دول أخرى حدًا أدنى يصل إلى 200 دولار أمريكي شهريًا.
في أحد الدراسات حول وضع عاملات المنازل النيباليات في ظل نظام الكفالة في دول مجلس التعاون الخليجي أُبلغ عن العديد من حالات التحرش والاغتصاب بين العاملات. ومن المتوقع أن تعكس هذه التقارير نسبةً أقل من الواقع، حيث أن العديد من العاملات إما غير قادرات على الإبلاغ أو لا يعرفون الطريقة القانونية للإبلاغ عن مثل هذه الحوادث.
الحصول على الرعاية الصحية
غالبًا ما يتم منح خطط التأمين الصحي في دول مجلس التعاون الخليجي من قبل أرباب العمل، والتي يُزعم أنها متاحة للجميع. مع ذلك، لا تزال التشريعات الخاصة بتزويد الجميع بخطط تأمين تكميلية غير مستوفاة حتى اليوم، فعلى سبيل المثال، لا تزال التغطية التأمينية للموظفين الأجانب في البحرين والكويت غير محددة وغير إلزامية.
من ناحية أخرى، يبدو أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي لديها خطط تأمين صحي مختلفة للمواطنين والمقيمين (غير المواطنين)، حيث تخدم المستشفيات العامة في الكويت المواطنين الكويتيين ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي فقط، بينما تتيح السعودية المرافق الصحية الحكومية بشكل مجاني للمواطنين السعوديين فقط. أما بالنسبة لقطر، فالمواطنون القطريون هم فقط من يحصلون على دعم كامل لخدمات الرعاية الصحية، بينما يتعين على الأجانب المقيمين في الدولة شراء بطاقات "حمد" الصحية للحصول على هذه الخدمات.
يهدف التمويل الحكومي الجديد للتأمين في البحرين إلى تغطية المواطنين البحرينيين ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي وعمال المنازل لديهم، دون أي ذكر للعمال المنزليين أو المهاجرين الآخرين في البلاد.
ولدى الإمارات العربية المتحدة خطط تأمين في دبي وأبو ظبي فقط، وليس في الإمارات الخمس الأخرى داخل الدولة، وتعتمد خطط التأمين في كل من دبي وأبو ظبي على الرواتب مع أخذ المقيمين ذوي الرواتب المنخفضة بعين الاعتبار وتزويدهم بخطط إضافية.
ويتمتع مواطنو دولة الإمارات العربية المتحدة بالتأمين تلقائيًا ويحصلون على تغطية تأمينية أعلى لخدمات الرعاية الصحية، ولا تشترط الدولة على أصحاب العمل تغطية التأمين الصحي لموظفيهم.
يقلل نظام الكفالة من قدرة العمال المهاجرين في الحصول على خدمات الرعاية الصحية إما بشكل مباشر لعدم وجود خطط تأمين إلزامية ضمن نظام الكفالة أو بشكل غير مباشر من خلال الأجور المنخفضة للغاية وظروف العمل السيئة وغياب الإجازات المرضية وعدة عوائق أخرى كحاجز اللغة ونقص مبادرات التوعية الصحية الموجهة لغير المواطنين، مما يمنع العمال المهاجرين من الحصول على الرعاية الصحية بسبب ضيق الوقت وعجزهم عن دفع تكاليف الخدمات التي غالبًا ما تكون غير مؤمّنة.
يشترط نظام الكفالة من العمال المهاجرين اجتياز فحص طبي قبل دخول البلاد لفحص وجود أي مرض معدي وتجنب انتقاله إلى السكان المضيفين، بالإضافة إلى فحوصات الحمل والأمراض النفسية. تجري هذه الاختبارات لبعض الجنسيات والوظائف فقط – التي تخضع بشكلٍ أساسي لنظام الكفالة –.
لا يخضع عامل أجنبي من أوروبا أو بلد عربي آخر لمثل هذه الاختبارات. وبمجرد دخول العمال المهاجرين إلى البلاد، لا تشكّل صحتهم أولوية لدول مجلس التعاون الخليجي.
ما الخطوة القادمة؟
نظام الكفالة متجذرٌ بعمق في الدول الست ويُطبّق على نطاق واسع، مما جعل غالبية المقيمين فيها يعانون من ظروف اقتصادية واجتماعية وصحية مزرية.
وإذ أنه لا يمكن تحقيق التغطية الصحية الشاملة في حال استمرار نظام الكفالة، فعلى دول مجلس التعاون الخليجي أن توفر للعمال المهاجرين ظروف معيشة وعمل إنسانية وخطة تأمين صحي أساسية على الأقل.
ويجب على منظمات حقوق الإنسان وجماعات المناصرة زيادة الضغط لحماية العمال المهاجرين في دول مجلس التعاون الخليجي وفي جميع أنحاء العالم من أجل حصولهم على حقهم الإنساني في عيش حياة صحية وكريمة.