في هذا التقرير المصغر، تستعرض إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان أثر حظر وسائل الاتصال المجانية عبر الإنترنت في مثل هذا الوقت العصيب، وتدعو الحكومات التي تفرض ذلك الحظر لأن تحذو حذو السعودية في إلغائه، بينما يواجه العالم شكلًا غير مسبوقًا من أشكال الإغلاق والقيود على الحركة.
خلال هذه الفترة المضطربة التي تقطعت بها سبل العمال المهاجرين بعيدًا عن أوطانهم وعائلاتهم، يتعين على الحكومات حول العالم، وفي دول الخليج على وجه التحديد، كونها تضم أكبر نسبة من العمالة الوافدة، رفع الحظر المفروض على منصات التراسل الرقمية بشكلٍ فوري، كونه، إلى جانب آثاره العديدة على أوجه الحياة المختلفة، يعزل العمال الأجانب ويحول دون تواصلهم مع عائلاتهم في أوطانهم، كما يقيد وصول سكان تلك الدول للمعلومات المتعلقة بفيروس كورونا المستجد وطرق الوقاية منه.
السلطات في المملكة العربية السعودية كانت قد رفعت حظرها قبل ثلاث سنوات، بعدما حظرت هذه الخدمات لأول مرة عام 2013، بدعوى أنها أصبحت مرتعًا للأنشطة المنشقة. لكنها ومن أجل دعم بيئات نمو وتطوير الأعمال التجارية، عدلت الدولة عن هذا القرار في شهر سبتمبر من عام 2017.
لكن دول الخليج الأخرى، بما في ذلك الإمارات وقطر وعمان، بقيت في معظمها تفرض حظرًا على تلك الخدمات. على سبيل المثال، تحظر الإمارات العربية المتحدة -والتي يشكل العمال الأجانب نحو 85% من سكانها، العديد من التطبيقات التي تسمح بالاتصال الهاتفي المجاني؛ بما في ذلك سكايب، وفيسبوك ماسنجر، وواتساب، وغيرها. وعليه، يضطر الطلاب المغتربون والعمال الأجانب ذوو الدخل المنخفض إلى إنفاق مبالغ -لا تعد منخفضة بالنسبة لدخولهم- مقابل بطاقات الاتصال وخدمات الشبكة الخاصة الافتراضية (VPN). ومع تفشي فيروس كوفيد-19، من المهم أن تتعاون الحكومات في التخفيف من حدة التوتر والذعر الناجم عن حظر السفر وإغلاق المدارس وفرض الحجر الصحي. إن لم تدفع أزمة كهذه الحكومات لرفع الحظر عن تطبيقات التواصل المجانية، فيمكننا أن نتوقع بأن مثل هذه الحكومات لن تفعل ذلك أبدًا.
خلفية
يعتمد العديد من الأشخاص حول العالم على التطبيقات التي تستخدم خدمات بروتوكول الصوت عبر الإنترنت (VoIP)لخفض تكاليف الاتصالات الدولية والتواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم، أو خلال الاجتماعات المتعلقة بالأعمال. في دول الخليج، الأمر مختلف، حيث يُحظر على سكانها استخدام منصات مثل واتساب، وماسنجر، وسكايب، وفيس تايم، وفايبر، وغيرها.
يُشكّل ذلك غالبًا مشكلة للعمال المهاجرين ذوي الأجور المنخفضة، والذين يُشكِّلون غالبية سكان الخليج ويتحملون أعباء الدفع لإجراء المكالمات الدولية. فبالنسبة لهذه الشريحة من المجتمع، تُعد التطبيقات التي تستخدم خدمات بروتوكول الصوت عبر الإنترنت (VoIP) شريان الحياة للتواصل.
تكمن أسباب الحظر على هذه التطبيقات في واحدة أو أكثر من الفئات الثلاث التالية:
1. الترخيص: غالبًا ما تدعي الحكومات أن هذه التطبيقات لا تستوفي المتطلبات التنظيمية، وبالتالي يتم إغلاق خدمات التطبيقات التي لا تنجح في الحصول على تراخيص.
2. الرقابة: عادةً ما تحمي التطبيقات التي تستخدم خدمات بروتوكول الصوت عبر الإنترنت (VoIP) خصوصية مكالمات مستخدميها بالتشفير، وبالتالي تحول دون مراقبة السلطات للمكالمات.
3. الأرباح: يقلل اعتماد المستهلكين على خدمات بروتوكول الصوت عبر الإنترنت من الإيرادات المباشرة للشركات المزودة لخدمات الاتصالات، والتي غالبًا ما تكون مملوكةً للدولة. على سبيل المثال، تمتلك الحكومة السعودية 70% من شركة الاتصالات السعودية، كما تمتلك دولة قطر أكثر من نصف شركة اتصالات قطر (أوريدو)، وتمتلك هيئة الإمارات للاستثمار، وهي هيئة حكومية حوالي 60% من شركة الإمارات للاتصالات.
إن لم تدفع أزمة كهذه الحكومات لرفع الحظر عن تطبيقات التواصل المجانية، فيمكننا أن نتوقع بأن مثل تلك الحكومات لن تفعل ذلك أبدًا
العمالة الوافدة والطلاب المغتربون
لسنواتٍ عديدة، تحظر دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وعُمان وغيرها من دول الخليج مكالمات الإنترنت المجانية التي تتيحها بعض التطبيقات مثل واتساب، وماسنجر، وفيس تايم، وغيرها. كما يحظر معظمهم، عدا عن عمان، تطبيق سكايب، والتي تتيح كذلك تطبيق زوم لأغراض الأعمال وتسهيل عمل الشركات أثناء الإغلاق الهادف لمكافحة فيروس كورونا.
وتعتبر قطر موطنًا لأكبر عدد من المهاجرين، حيث يشكل العمال المهاجرون فيها نحو 90% من القوى العاملة. وتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الثاني من بين أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث يقدر عدد العاملين المهاجرين فيها بنحو 80 مليون عاملًا، حيث يشكلون 85% من القوى العاملة فيها، ينحدر معظمهم من جنوب شرق آسيا.
ومع رواتب شهرية تُقدر بحوالي 200 دولار، يبقى لدى العمال من ذوي الدخل المنخفض هامشًا ضئيلًا جدًا لتوفير الكماليات. مع ذلك، فإنهم ينفقون جزءًا من أموالهم على خدمات الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) أو بطاقات الاتصال للتواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم في الوطن.
تفرض الإمارات غرامة تفوق الـ 130 ألف دولارًا أو السجن في بعض الحالات لمن يثبت استخدامهم لخدمات الشبكة الخاصة الافتراضية (VPN)، حيث تعتبر السلطات معظم تلك الأنشطة غير مشروعة وفقًا لقانون الجرائم الإلكترونية. تفوق هذه الغرامة ما قد يجنيه العمال طوال فترة عملهم لسنوات.
تعيش معظم أُسَر العمال المهاجرين في البلدان النامية ظروفًا قاسية، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا الجديد. مع ذلك، ومع الحظر المفروض على منصات الاتصالات المجانية، يكافح عمال البناء وعمال المنازل ذوو الدخل المنخفض لدفع ما يبلغ بالمتوسط نحو 10 دولارات شهريًا للتواصل مع عائلاتهم. وعليه، يضطر العديد من العمال إلى تقليل تواصلهم عبر المكالمات الدولية، لاستغلال أجورهم في مواضع أخرى، كإرسال الأموال لعائلاتهم. وكبديل أقل تكلفة، يلجأ العمال عادةً لاستخدام تطبيقات غير موثوقة، وقد تعرضهم لعمليات الاحتيال الإلكتروني.
الطلاب والموظفون الذين يتعلمون ويعملون عن بُعد
يعمل العديد من الأشخاص في دول الخليج عن بُعد بموجب تعليمات البقاء في المنزل المفروضة لمكافحة فيروس كورونا المستجد. إلى جانب ذلك، يضطر ملايين الطلاب لمتابعة دروسهم عن بُعد، لكن القيود المفروضة على الاتصالات تُصعّب هذه المهمة بشكلٍ مضاعف.
يحتاج الموظفون العاملون من المنزل إلى حرية الاتصال عبر الإنترنت واستخدام مجموعة متنوعة من المنصات للاستعاضة عن الاجتماعات، وبالتالي لحماية أنفسهم والآخرين من الفيروس.
وبالمثل، على الحكومات تسهيل مهام الطلاب في وقت تم فيه تعطيل الدراسة وإعادة هيكلة تقييم الدرجات الجامعية، إلى جانب حالة الذعر العام بشأن الاختبارات والدروس ودرجات السنة النهائية.
في الوقت الذي يتم فيه تطبيق إجراءات حظر التنقل والتجوال، يجب السماح للطلاب باستخدام الاتصال المجاني عبر الإنترنت لضمان بقائهم في المنزل، بدلاً من محاولة التواصل مع معلميهم وزملائهم شخصيًا.
انعدام الشفافية الحكومية عالميًا
لا يقتصر حظر منصات الاتصال عبر الإنترنت على دول الخليج فقط، حيث فرضت العديد من البلدان الأخرى حظرًا مماثلاً شمل تطبيقات وخدمات مجانية مختلفة. على سبيل المثال، حظرت المغرب المكالمات المجانية التي يتيحها تطبيقا سكايب وواتساب في عام 2016، لكنها رفعت الحظر بعد ثمانية أشهر. وبالمثل، أغلقت الجزائر العديد من تطبيقات المراسلات المتعددة والتواصل الاجتماعي خلال صيف 2016، ولكنها أنهت الحظر بعد فترةٍ وجيزة. إلى جانب ذلك، تفرض كل من الصين وإيران حظرًا على المدى الطويل، مع إبقاء خدمات الهاتف المحمول متاحة في بعض المدن.
الأخطر من ذلك هو أن حظر منصات التواصل عبر الإنترنت ليس الطريقة الوحيدة التي تقيد بها الحكومات مواطنيها. فمنذ شهر يناير من عام 2019، أغلقت الحكومة الإثيوبية الإنترنت كليًا في منطقة أوروميا. وفي شهر يناير من عام 2020، لم تكتف الحكومة الإثيوبية بذلك، حيث قامت بفصل شبكات الهاتف المحمول في كل من أوروميا وهورو جودورو وليغا. ففي منطقة إيست ويليجا، اشتكى السكان من حظر خدمات وسائل التواصل الاجتماعي ، فأصبحت خدمات الهاتف المحمول هي الوحيدة المتاحة في بعض المدن.
يعني الإغلاق الكامل لخدمات الإنترنت وخدمات الهاتف المحمول أن شرائح واسعة من السكان غير قادرة على الوصول إلى معلومات حول فيروس كوفيد-19. وبالتالي، فهم غير قادرين على الاطلاع على تحديثات يومية بشأن التطورات والاستفادة من النصائح الرسمية.
وبالمثل، قيدت إيران النشاط الإلكتروني للمواطنين بشكلٍ واسع، حيث قامت الحكومة ببناء رقابة سيبرانية مُحكمة، فحظرت التطبيقات التي تتيح الاتصالات المجانية مثل الواتساب، وفيسبوك ماسنجر، وسكايب، وغيرها. وبالتالي، يلجأ الإيرانيون إلى استخدام تطبيق تيليغرام كبديل عن التطبيقات الأخرى واسعة الانتشار حول العالم. وحتى باتخاذ ذلك بديلًا، يبقى الأفراد في إيران مُحددين فيما يتعلق بمن يستطيعون التواصل معهم، مما يجعل مشاركة المعلومات حول فيروس كوفيد-19 أمرًا صعبًا ومعقدًا، في الوقت الذي لا يبقى لدى غالبية السكان خياراتٍ أخرى غير القنوات التلفزيونية المعتمدة من الدولة لمعرفة المستجدات حول انتشار الفيروس.
وعلى غرار المقيمين في الإمارات العربية المتحدة، يمكن للإيرانيين استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة كبدائل ولكن بتكلفةٍ عالية، حيث ينفقون مبالغ شهرية مقابل عمل تلك الشبكات على هواتفهم المحمولة. لكن هذا يبقى أيضًا مهددًا بالتوقف، حيث يمكن للسلطات إغلاق الإنترنت بالكامل،، الأمر الذي حدث بالفعل في شهر نوفمبر 2019 عندما حظرت السلطات الإيرانية الوصول إلى الإنترنت في البلاد؛ للحد من حريات التعبير ومنع الإيرانيين من مشاركة الوضع الداخلي لبلدهم مع العالم الخارجي.
وفي ظل تفشي جائحة كورونا، يبقى هذا الأمر مقلقًا للغاية، ففي أي لحظة يمكن أن يغرق الناس في الظلام، مع اقتصار المعلومات التي تصل لهم على تلك التي توفرها الحكومة فقط. والنتيجة في هذه الحالة هي انعدام الثقة بين المواطنين وحكومتهم.
لذلك، تنتهك الدول التي تحظر الاتصالات القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يحمي الحق في الحصول على المعلومة.
تسهيل التواصل الموثوق والمجاني
اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، على حكومات العالم أن تجعل التواصل أكثر سهولة من خلال السماح بعمل التطبيقات المجانية، عوضًا عن تقييد الاتصال وفرض حدود افتراضية إلى جانب الحدود الدولية. ففي الوقت الذي تحاول فيه الحكومات الحد من تفشي فيروس كورونا واحتواءه، من المهم تسهيل الوصول إلى منصات نشر المعلومات الموثوقة. هذا ليس الوقت المناسب للحكومات لحظر الاتصالات وتقييدها، بل إنه وقت يحتاج فيه الأشخاص إلى البقاء على اتصال لدعم بعضهم البعض والحصول على المعلومات حول كيفية الوقاية من الفيروس.
يتطلب ذلك توفير إنترنت مفتوح وآمن يسمح بمشاركة المعلومات دون قيود بين مختلف الأطراف، وعدم الاقتصار على المعلومات التي تشاركها الحكومات.
لذلك، على دول الخليج وقف أي تدخل في وصول الناس إلى المعلومات أو مشاركتها فورًا، إذا ما أرادت بالفعل مكافحة كوفيد-19 بشكلٍ شامل، وعدم تعريض أنظمتها الصحية ومواطنيها للخطر.
وأخيرًا، في ظل الجهود العالمية لاحتواء فيروس كورونا المستجد، تدعو إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان دول الخليج وغيرها من دول العالم التي تفرض حظرًا مماثلًا على خدمات الاتصال المجاني، لرفع قيودها بشكلٍ عاجل. ففي خضم المعركة مع هذا الوباء، من المهم أن يبقى الجميع على تواصل للحصول على المعلومات المتعلقة بطرق الوقاية من الفيروس.